النقل الحضري، الدراجة والتنمية المستدامة

تخسر سوناطراك حوالي 15 مليار دولار سنوياً بسبب أسعار الوقود المحلية . في يناير 2025، يبلغ متوسط سعر الوقود في العالم حوالي 1.33 دولار، أي حوالي 180 دينارًا جزائريًا لكل لتر. ومع ذلك، في الجزائر، يبقى السعر مدعوماً بشكل كبير، مما يشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطني.

وفقاً للدراسات، في السنوات المقبلة، ستقل الكميات المتاحة للتصدير من النفط بسبب زيادة الاستهلاك المحلي. يشكل هذا تهديداً للإيرادات الوطنية التي تعتمد بشكل كبير على صادرات المحروقات. الطريقة الوحيدة للحد من هذا الاعتماد ومواجهة التحديات المستقبلية هي الاستثمار المكثف في النقل الحضري وتشجيع استخدام المركبات غير الملوثة مثل الدراجات.
تستثمر دول مثل روسيا، الهند، والصين بشكل مكثف وسريع في النقل العام، خاصة في الحافلات الكهربائية والترامواي. بل إن بعض المدن الأوروبية والأمريكية قد ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال توفير وسائل النقل العام مجاناً لسكانها، وهو إجراء يهدف إلى تشجيع استخدام وسائل النقل الجماعية وتقليل التلوث. تلعب الدراجة أيضًا دورًا مهمًا في هذه المبادرات لتعزيز التنقل المستدام.

في الجزائر، أدى تخصيص قطاع النقل الحضري، الذي تم في عام 1988، إلى تغييرات كبيرة في مشهد النقل العام. ومع ذلك، لم تحل هذه الخصخصة مشكلات الوصول والازدحام وجودة الخدمات، مما يستدعي إعادة تقييم دور الدولة في هذا القطاع الحيوي. من المهم أن نتذكر أن العديد من الدول التي اخترعت الرأسمالية، مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، تعتبر أن النقل العام بنية تحتية أساسية. كما تعتبر الدراجة وسيلة نقل شخصية فعالة للحد من الاعتماد على السيارات والتخفيف من الضغط على وسائل النقل العامة.
فوائد الاستثمار في النقل الحضري والدراجات
- تقليل الازدحام المرور
يعتمد النقل الحضري على استخدام الحافلات والقطارات والترام والدراجات، مما يقلل من عدد السيارات الخاصة على الطرق. قلة السيارات تعني قلة الازدحام، مما يجعل التنقل داخل المدن أسرع وأكثر فعالية. توفر الدراجة مرونة كبيرة في التنقل للمسافات القصيرة، مما يقلل من الحاجة إلى السيارات للرحلات اليومية. - تحسين جودة الهواء وتقليل التلوث
يؤدي الاستخدام المتزايد لوسائل النقل العامة والدراجات إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتلوث الهواء. حيث يمكن لكل حافلة أو ترام أو دراجة أن تحل محل العديد من المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري. هذا يحسن جودة الهواء بشكل مباشر ويحمي البيئة. - الحفاظ على الطاقة
وسائل النقل العامة والدراجات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة مقارنة بالسيارات الخاصة. استخدام الدراجة، التي لا تستهلك الوقود، يسهم بشكل كبير في تقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات. - فوائد اقتصادية
يوفر النقل الحضري والدراجات خيارات تنقل منخفضة التكلفة، مما يسمح للمواطنين بتقليل النفقات المتعلقة بالوقود وصيانة السيارات الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم هذه الوسائل في تعزيز الاقتصاد من خلال تسهيل الوصول إلى فرص العمل وخلق وظائف جديدة، خاصة في خدمات تأجير وصيانة الدراجات. - تحسين استغلال المساحات العامة
يقلل تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة من الحاجة إلى بناء مواقف ضخمة للسيارات، مما يسمح باستخدام تلك المساحات لمشاريع أخرى مثل إنشاء مسارات مخصصة للدراجات أو الحدائق العامة والمساحات الخضراء. تطوير البنية التحتية للدراجات، مثل المسارات الآمنة، يشجع على استغلال أفضل للمساحة الحضرية. - العدالة الاجتماعية
يوفر النقل الحضري والدراجات وسيلة نقل ميسورة التكلفة لجميع الفئات الاجتماعية، بغض النظر عن الدخل أو الطبقة الاجتماعية. الدراجة، على وجه الخصوص، تعتبر حلاً غير مكلف وعملي للتنقل في المدينة، مما يخلق بيئة أكثر إنصافًا حيث يمكن للجميع الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والعمل والرعاية الصحية. - تحسين السلامة المرورية
تقليل عدد السيارات على الطرق يؤدي إلى تقليل عدد الحوادث المرورية. يساهم النقل العام واستخدام الدراجة في تحسين سلامة المشاة وراكبي الدراجات، وتقليل مخاطر الحوادث. كما أن وجود بنية تحتية آمنة للدراجات، مثل المسارات المخصصة والمناطق المخصصة للمشاة، يعزز من هذه السلامة. - تعزيز الحياة الحضرية
يقلل نظام النقل الحضري الفعال واستخدام الدراجة من العزلة ويشجع على التفاعل الاجتماعي. يشجع الناس على التحرك، استكشاف مدنهم، والمشاركة بشكل أكثر نشاطًا في الحياة الحضرية، مما يخلق مجتمعات أكثر ترابطًا وحيوية. الدراجة، بفضل مرونتها، تتيح تنقلًا سهلًا وتعزز من تقارب الأفراد مع محيطهم.

الجزائر أمام خيار استراتيجي
تواجه الجزائر تحدياً مزدوجاً: الخروج تدريجياً من نموذج دعم الوقود، الذي يشكل عبئاً كبيراً على المالية العامة، مع تعزيز شبكة النقل الحضري وتشجيع استخدام الدراجة لتقديم بديل مستدام للمواطنين. من الضروري إعادة الاستثمار في هذا القطاع الاستراتيجي من خلال البحث عن حلول ملائمة للسياق الجزائري، مثل:
- تشجيع الحافلات الكهربائية والترام والدراجات للحد من التلوث.
- إصلاح نظام الدعم تدريجياً مع الاستثمار في تحسين البنية التحتية للنقل العام ومسارات الدراجات.
- تقديم أسعار مخفضة أو مجانية لبعض الفئات من المواطنين، مثل الطلاب والأشخاص ذوي الدخل المنخفض، لجعل النقل الحضري واستخدام الدراجة أكثر جاذبية.
الخلاصة باختصار، النقل الحضري والدراجة هما عنصران أساسيان لبناء مدن مستدامة ومرنة. من خلال الاستثمار في أنظمة نقل عامة فعالة وميسورة التكلفة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية للدراجات، يمكن للجزائر تقليل اعتمادها على النفط، تحسين نوعية حياة مواطنيها، وخلق مستقبل أكثر نظافة واستدامة